وبكى الفاروق
كان الفرح يغمر الابطال الذين عادو منتصرين بعد ان طال الغياب عن الاهل والاحباب....كانو اسودا كاسرة في ساحة الجهاد.ففتحو البلاد ورفعو راية الاسلام على بقاع جديدة من ارض الله.عادو فرحيين بنصر الله ولبسو اجمل الثياب
سارعو الى امير المؤمنين عمر بن الخطاب.فقد اعتادو ان يستقبلهم بعد عودتهم.يفرح بلقائهم و يبالغ في اكرامهم.ولكنهم فوجئو هذه المرة انه لم يهتم بهم.بل ادار وجهه عنهم فبعد ان رد السلام امسك الكلام.فظهرت الدهشة على وجوههم
ارادو ان يعرفو السبب كي يبطل العجب..فسارعو الى عبد الله بن عمر وقالو: لقد ادار امير المؤمنين وجهه عنا ولم يهتم باحد منا فما سبب هذا الجفاء بعدما قدمناه من تضحية وفداء
كان لابد لعبد الله بن عمر الذي نشا في بيت عمر ان يقرا افكار ابيه فهو يعلم جيدا انه ماض في درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نظر عبد الله الى ثيابهم الفاخرة التى عادو بها من بلاد فارس وقال لهم; ان امير المؤمنين راى عليكم لباسا لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخليفة ابو بكر الصديق من بعده.
عرف الابطال المجاهدون السبب فلم يجادلو.ولكنهم تحلو بالادب النبوي الشريف .
فسارعو الى ديارهم وبدلو ثيابهم ثم عادو الى امير المؤمنين بثيابهم الذي اعتاد ان يراهم بها.فلما راهم فرح بقدومهم واحسن استقبالهم ونهض بتسليم عليهم ويعانقهم رجلا رجلا.وكانه لم يرهم من قبل.فهو يرى ايمانهم وجهادهم هو ابهى الحلل واجمل الزينات.
قدمو لامير المؤمنين الغنائم التي عادو بها من ارض الجهاد فيقسمها بينهم..كان في تلك الغنائم سلال خبيص.والخبيص هو طعام حلو مصنوع من التمر والسمن..مد امير المؤمنين يده وذاق ذالك الطعام فوجده لذيذ الطعم طيب الرائحة فقال لمن حوله واصفا لذة الطعام: والله يامعشر المهاجرين والانصار سوف يقتل الابن اباه والاخ اخاه على هذا الطعام.امرهم ان يحملوه الى ابماء الشهداء من المجاهدين والانصار الذين نالو الشهادة اثناء جهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهض امير المؤمنين عمر بن الخطاب امير اعظم دولة في ذاك الزمان وسار مجللا بالهيبة والوقار بوجه يعلوه الايمان.وجسم فاع الطول عليه جبة قديمة بها 12 رقعة!!!
سار خلفه عدد من الصحابة.واخذو ينظرون الى جبته القديمة قال بعضهم لبعض; مارايكم في زهد هذا الرجل.لقد فتح الله على يده بلاد كسرى وقيصر..وطرفي المشرق والمغرب.تاتي اليه وفود العرب والعجم من كل مكان فيستقبلهم وعليه هذه الجبة القديمة ذات الرقع الكثيرة.
اقترح بعضهم ان يتقدم اليه كبار الصحابة الذين جاهدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..ويحاولون اقناعه بان يستبدل الجبة القديمة بثوب جديد وجميل وان يقدم له جفنة الطعام في الصباح والمساء..قال البعض الاخر: لايجرؤ احد على ان يتحدث اليه في هذا الامر الا على بن ابي طالب او ابنته حفصة فهي ذات مكانة عالية في نفسه لانها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى امهات المؤمنين
ذهبو الى علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعرضو الامر عليه فقال:لن افعل هذا ولكن عليكم بازواج النبي صلى الله عليه وسلم فانهن امهات المؤمنين ويستطعن عرض الامر عليه.فلما سمعو رايعلي بحثو في الامر واستقر الراى على ان تقوم كل من ام المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما بتلك المهمة..دخلت عائشة وحفصة رضي الله عنهما على امير المؤمنين عمر.فقربهما واحسن استقبالهما فبدات عائشة بالحديث قائلة:يا امير المؤمنين..هل تاذن لي بالكلام (الله اكبر)(ام المؤمنين)
قال عمر:تكلمي يا ام المؤمنين..فقالت ما معناه: لقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيله الى جنته ورضوانه.لم يرد الدنيا ولم ترده.وكذالك مضى ابو بكر الصديق من بعده.وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل اليك اموالهما.وخضعت لك اطراف المشرق والمغرب.ونرجو من الله المزيد.وفي الاسلام التاييد.وقد اصبح العجم يبعثون الك رسلهم ووفود العرب تاتي اليك من كل مكان وانت تستقبلهم بتلك الجبة القديمة التى رقعتها 12 رقعة .فلو غيرته بثوب لين يهاب فيك منظرك وايضا ياتوك بجفنة الطعام في اول النهار واخرى في اخر النهار.تاكل منها انت ومن حضر معك من المهاجرين.
تاثر امير المؤمنين تاثرا بالغا حتى بكى بكاءا شديدا...سال ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قائلا: هل تعلمين ان رسول الله صلى الله غليه وسلم شبع خبز قمح عشرة ايام او خمسة ايام ام ثلاثة ايام او جمع في يوم عشاء وغذاء حتى لحق بربه.قالت لا
استمر عمر بن الخطاب امير المؤمنين في حديثه لهما قائلا:انتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكما حق على اميرالمؤمنين عامة وعلي خاصة.ولكنكما اتيتما ترغباني في الدنيا.واني اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من صوف ربما حك جلده من خشونته هل تعلمان ذالك..قالتا نعم
ثم قال امير المؤمنين لعائشة رضي الله عنها:الا تعلمين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة تكون بالنهار بساطا وبالليل فراشا.فندخل عليه ونرى اثر الحصير في جنبيه.
ثم قال لحفصة رضي الله عنها:الا تذكرين يا حفصة حين قلت لي انك ثنيت الفراش للنبي ذات ليلة فشعر بلينه فرقد ولم يستيقظ بالليل الا حينما سمع اذان بلال.فقال لك النبي :ياحفصة.ماذا صنعت.اثنيت المهاد(الفراش).حتى ذهب بي النوم الى الصباح...مالي ومال الدنيا ومالي شغلتموني بلين الفراش.
وفي النهاية قال لابنته:ياحفصة..ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفورا له ماتقدم من ذنبه وما تاخر..ومع ذالك فقد امسى جائعا ورقد ساجدا ولم يزل راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا اناء الليل والنهار الى ان قبضه الله برحمته ورضوانه ثم قال رضي الله عنه:لا اكل عمر طيبا ولا لبس لينا بل سيكون له في صاحبه اسوة وقدوة.وقطع عمر عهدا على نفسه...الا يجمع بين طعامين في وقت واحد سوى الملح والزيت..ولا ياكل لحما الا مرة كل شهر..فخرجت عائشة وحفصة واخبرتا الصحابة بما حدث..وظل عمر ماضيا في طريقه الى ان لقي ربه شهيدا سعيدا
غفر الله لك ياعمر واسكنك جنة عرضها كعرض السماوات والارض...اعدت للمتقين وجعلنا رفقائك ورفقاء الرسول والصديق والمهاجرين والانصار..نمشاء الله